09 - 05 - 2025

مؤشرات | التنمية السياحية وتآكل تراثنا التاريخي.. كيف؟

مؤشرات | التنمية السياحية وتآكل تراثنا التاريخي.. كيف؟

لا يختلف اثنان على الأهمية النسبية للتنمية السياحية، لدعم موارد الدولة من النقد الأجنبي، وتعزيز النمو الاقتصادي والناتج المحلي الوطني، وما تساهم به السياحة من تدفقات للنقد الأجنبي، باعتبارها أسرع وسيلة لتوفيره ، علاوة على ما يوفره القطاع السياحي من فرص عمل، وتعزيز الصناعات والقطاعات المغذية للسياحة.

ولا شك أن هناك جهود كبرى تبذلها الدولة لتنمية القطاع السياحي، إلا أن هناك خبراء يخشون من خطط التنمية التي تنتهجها الدولة على القطاع التراثي، وغياب المشاركة المجتمعية خصوصا في المناطق التي تشملها خطط التطوير، مع عدم الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة بين التطوير، والحفاظ على التراث.

والأرقام الرسمية تشير إلى قطاع السياحة حقق إيرادات بلغت 14 مليار دولار في عام 2024، ما يجعله حيويًّا للاقتصاد المصري، وعلى الرغم من أهمية السياحة المصرية، إلا أن تقريرا صدر عن موجز "عدسة" لمركز "حلول للسياسات البديلة" بالجامعة الأمريكية، يرى أن "مصر لم تصل حتى الآن إلى طاقتها الكاملة"، كما "تظل مصر متأخرة عن أقرانها الإقليميين من حيث أعداد السياح، في وقت تواجه تحديات أبرزها، القصور في الإدارة والمراقبة، وازدحام وضعف صيانة بعض المواقع السياحية".

المقلق والذي يستحق الرد والتفسير، في ظل سعي مصر للوصول إلى 30 مليون زائر بحلول عام 2030، ما يشير إليه الخبراء بأنه يجب ألا تؤدي جميع خطط الحكومة للقطاع السياحي إلى تهميش المجتمعات المحلية أو تهديد التراث الثقافي، وتصبح المعضلة "المواجهة بين التطوير والحفاظ على التراث".

القراءة مهمة جداً لما انتهى إليه تقرير مركز "حلول للسياسات البديلة"، بأن جهود التطوير التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة أدت إلى تآكل المواقع التاريخية بشكل كبير، بل تبين أن الدولة طلبت رسميا عام 2023، من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تقليص المنطقة المحمية للقاهرة التاريخية، لتتماشى مع التوجهات الوطنية الأوسع التي تُفضل التوسع الاقتصادي على الحفاظ على التراث.

ويعني هذا أن التطوير يأتي على حساب الحفاظ على التراث، في صراع لا ينتهي، خصوصًا في مثال إعادة تطوير هضبة الجيزة، بتكلفة مليار جنيه لمضاعفة عدد الزيارات السياحية من 2.5 مليون إلى 5 ملايين سنويًّا، مع ملاحظة أن الخطة تتضمن مقبرة دهشور وموقع سقارة، وكلها مُدرجة في قائمة اليونسكو، وهو ما يُثير مخاوف علماء الآثار بشأن الحفاظ على التراث، ووقوع ضرر لا يمكن إصلاحه لهذه الآثار وبيئتها التاريخية.

ومن التخوفات الأخرى، ما يهدد المجتمع المحلي القريب " نزلة السمان" بالتشريد، والذي يراه البعض أنه ثمن مبادرات التجديد الحضري، ولكن بتعويضات لنحو 4800 عائلة، بما قيمته 1.76 مليار جنيه لنحو 2114 وحدة سكنية و100 متجر، وهو ما سبق تكراره بهدم وإزالة 1400 وحدة سكنية في منطقة الفسطاط، لإعادة تشكيل القاهرة التاريخية، قبل نحو 9 سنوات.

ومن المؤكد، ووفقاً لما يراه التقرير، أن الحفاظ على التراث يعد رصيدًا اقتصاديًّا قيّمًا للسياحة المستدامة، بخلاف قيمته الثقافية والتاريخية باعتباره جزءا من ثروة مصر عبر الأجيال، ومن هنا يجب دراسة تجارب دمج السكان في مبادرات الحفاظ على التراث، خلال تنفيذ خطط التنمية السياحية، وتجربة "فاس المغربية" مثال نجاح يطرحه الخبراء.

والسؤال المهم.. هل تصلح تجربة "فاس" للتطبيق في مصر، لحماية تراثنا التاريخي، بترميم وإعادة استخدام المنازل التقليدية في المنطقة لأغراض الإقامة السياحية ولتحقيق نمو مستدام يحافظ على تاريخنا الغني مع تعزيز المرونة الاقتصادية، ومع مراعاة خطط التنمية المشاركة المجتمعية والاقتصادية، وإعادة استخدام المباني، والاستثمار في تطوير مهارات السكان المحليين، وإعطاء الأولوية للحفاظ على التراث ومشاركة المجتمع، حتى لا يتآكل التراث الثقافي والتاريخي في بلادنا؟

أسئلة ورؤى مهمة تستحق أن ندقق فيها جيداً.. فالتراث لا يمكن تعويضه، مع الاتفاق على أهمية تحقيق نمو سياحي حقيقي.
----------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ثقوب مميتة من حادث غاز الواحات والبنزين المغشوش